الأربعاء، 4 مايو 2011

حكاية بداية ..


إن أجمل ما كان بينهما هو تلك الرابطة الطفولية التي تجمعهما كل يوم ... فيخلعا عنهما ذلك الرداء المحمِّل بالهموم والأعباء الحياتية ...ويتركان فطرتهما المحضة .. تعبر عن نفسها بكل ما فيها من عفوية ومرح أشبه ما يكون بمرح الأطفال  ...
ليتعانقان بعد هذا اللهو بحميمية وكأن هذا العناق ما هو إلا تعبير عن مدى الرضى .. والشكر... من كل منهما للآخر ..
أو ربما هو البوح بكلمة أحبك .. على طريقة الجسد والروح ..بعيداً عن لغة الكلمات ..

حبيبي ..ما أشد روعتك عندما تكون طفلاً يقفز على ربوع قلبي .. ويعبث بجداولي .. لتغفو بعدها على صدري ..
بعد عناء يوم طويل ...
فتمضي الساعات وأنا أتأمل طفلي النائم في حجري .. وأصغي إلى دقات قلبه .. وأتحسس جسده الكبير ..الصغير..
لأذوب بعدها في ذلك الجسد و أتكور في في حجره بعدما كان متكوراً في حجري ..  كقطة صغيرة مرتجفة هاربة من غدر الأيام ..

هكذا كانت البداية .. و ياليت حياتي كانت كلها بدايات... بدايات ٌفقط ..
بهذه العبارات  ناجت عذرائي نفسهاعند غروب شمس أحد أيام الشتاء الباردة
.. على شاطئٍ  صخري تملؤه الصخور وبقايا الكائنات الميتة التي لفظها البحر بعدما ضجت أعماقه وأبت أن تحتويها ..عند  موتها ..
كانت تسير بقدميها الصغيرتين حافية وتسير معها ذاكرتها .. الى ما بعد البداية ...
ليتها تستطيع ان تلفظ أيامها الميتة ..التي ما زالت تنبض بذاكرتها ..كما استطاع البحر ان يلفظ ما كان يحيا بداخله ..
اقتربت من احدى الصخور .. جلست عليها .. والتقطت بيدٍ  تقشعر من البرد والألم حجرا صغيراً لتخط على الأرض قلبين
صغيرين وتكتب داخل القلب الأول ...اسمها .. وفي القلب الأخر .. اسم حبيبها الذي كان وما زال يحيا به ..
قبل ان يأتي ذلك اليوم الذي استلِّ فيه سيف القسوة وطعنها يه .. ليترك خلفه حبيبة ثكلى .. وربوعاً يابسة ..
ولكنها وبعد عناءٍ لم تقوى إلا على رسم حطام قلب .. لتشعر بعدها برغبة ملحة ..في البكاء .. فتركت العنان لروحها ..
لتئن وتبكي .. وسالت الدموع غزيرة فوق ذلك الحطام المرسوم على الحطام .. دموع  ترثي بها كل ما كان ..
وكل ما سيكون ... إلى أن لاحت أمامها من بعيد صورة حبيبها ملونة بلون الغروب ..تغيب مع الشمس لتنطفئ في البحر
...
ولكن ..كيف لحبيب يحيا في داخلي .. ويعانق روحي ان ينطفئ ...
وكيف يمكن لبدايتي ..ان تتحول إلى رماد يلفظه البحر... بعد أن كانت وما زالت منبع حياتي ..
لا وألف لا ...
نهضت عذرائي على عجل .. اقتربت من الشاطئ .. ثم اقتربت أكثر فأكثر  .. فبدأت أطراف ثوبها تبتل بالمياه المالحة ..
تابعت الإقتراب وهي تمد يدها لتمسك بما تبقى من صورة حبيبها التي إلتهم البحر معظمها ولم يتبقى منها سوى عينان
يتوهجان بلون الغروب الدامي .. لتتلاشى شيئاً فشيئاً في غياهب البحر ..
بعد عدة أيام ..  وجد بعض الصبية فتاة ملقاة على الشاطئ غريقة .. تضم يديها إلى صدرها كمن يحتضن كنزاً بين ذراعيه .. وابتسامة غريبة ملؤها الأمل الشاحب .. تلوح على شفتيها المزرقتين ..
فإلى رحمة الله يا عذرائي .. إلى رحمة الله .. انطلقي

هناك تعليق واحد:

  1. نص بسيط مؤثر مؤلم وحزين
    من أنسب وأجمل ما اخترتيه للتعبير عن الحالة النفسية المؤسفة مشهد البحر ؛ تصوير عقلاني معبر وواسع الأفق لجملة الإنعكاسات النفسية بأدوات لفظية ملموسة بتحمل العنى البليغ والمحسوس.
    أمنية مستحبة تطرقتي إلها بالنص وهي ولو كانت أنفسنا كالبحر تقدر تلفظ الهموم الجاثمة فوق صدورنا أو يغيب فيها كل عقبة نفسية دامية.
    أنا لما بحس إنو الانتهاكات النفسية بدت تتغلب عليي أو بمعنى الحزن صار يتبلور ل أسى بحب إني أقرأ سورة الضحى من المصحف الشريف.

    ................... أيقونة صفراء

    ردحذف

حكاية اللون الأبيض .. ذهبت إلى ذلك المقهى .. واتجهت إلى تلك الطاولة المركونة .. في إحدى جوانبه المهملة .. حيث تشبه في انزو...