الخميس، 1 مارس 2012

انعتاق



جلست في ذلك اليوم على مقعدها الخشبي البارد مرتعشة الأطراف ساكنة بلا حراك ..

تكاد سحابة من الدموع .. تمطر من مقلتيها .. المعلقتين بين السماء والأرض .. كانت في تلك اللحظة .. أشبه ببر عمة ذابلة .. تصارع آلام الولادة وتتخبط بين سكرات الموت .. ولكن كيف لولادة وموت .. أن يجتمعا في لحظة واحدة .. ؟؟؟
في تلك اللحظة الفريدة من الألم .. انطلقت من شفتيها .. زفرة متقطعة .. لاهثة .. نطقتها شفتيها الباردتان .. بعد أن هربت  من قارورة قلبها المحطم ..
انطلقت زفرة الألم باكية متضرعة ..
انطلقت .. كما لم تنطلق من قبل ...
انطلقت صارخة .. مرددة ...
يا رباه .. يا رباه .. يا رباه ..
فامتلأ الكون صوت .. وصدى .. واهتزت لحرقتها .. أركان المعمورة ..
وانتشرت في الجو .. رائحة غريبة .. أشبه ما تكون برائحة الموت .. والولادة ..
أشبه ما تكون .. برائحة الشهادة ...
انقضى غروب .. ذلك اليوم .. واستيقظت الإنسانية .. على حين غفلة .. بعد ذلك الليل الثقيل ... لتجد بقايا روحها مبعثرة هنا وهناك ..
ولتسمع آخر لحن حزين تردده في الجو .. بقايا أنفاسها الأخيرة ..
هذه هي أنا.. بكل قوتي وضعفي ..
هذه هي أنا .. بكل شقائي وبؤسي ..
هذه هي أنا .. بعظم شأني ..................... ودونيتك ..
بحريتي .. وعبوديتك ..
بحثت في صحراؤك .. عن زهرات أجنيها .. فلم تهبيني .. سوى الأشواك
حاولت أن أرتشف من كأسك الرحيق .. فلم تجرعيني .. سوى العلقم .
وهبتك القلب النفي .. فقتلتيه ..
أطلقت لك روحي .. المرفرفة .. فآثرت أن تقيديها في سجن الجسد البالي
فخذي جسدك .. وهبيني روحي ..
خذي ضعفك .. وهبيني قوتي ..
مبارك عليك .. عبوديتك .. وهنيئا لي بإنعتاقي ..
فلم أعد أطيق المادة والماديين ..
                    فدعيني ..
دعيني .. أنطلق حرة مهاجرة .. حيث الأمن والسكينة ..
حيث الإحساس والرحمة ..
حيث الحب .. اللا مادي ..
الحب المنعتق .. من كل قيد ..
الحب النقي .. الذي بذلت له في عالمك ..
عمري .. وصبوتي .. وشبابي .. ومماتي ,, ولم أجده ..
دعيني .. دعيني .. دعيني ..
بعد تلك العبارات المدماة .. أدركت الإنسانية ما فقدته ..
فسقطت .. كما تسقط ورقة خريف .. يابسة .. من على غصن شجرة هرم
سقطت .. وسقط معها القناع ..
فوقفت عارية مجردة أمام نفسها من كل زينة ..
سقطت .. بعد أن فجعت بحقيقتها .. ورأت قبحها وقسوتها ..
فإلى أين المسير .. أيها الإنسان ..
إلى أين المسير ....
إلى أين ..

حكاية اللون الأبيض .. ذهبت إلى ذلك المقهى .. واتجهت إلى تلك الطاولة المركونة .. في إحدى جوانبه المهملة .. حيث تشبه في انزو...